جورج غلوي يفهم قضيتنا اكثر من بعضنا ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟

جورج غلوي يفهم قضيتنا أكثر من بعضنا


قال ابن إسحاق: وأما زيد بن عمرو بن نفيل فوقف فلم يدخل في يهودية ولا نصرانية، وفارق دين قومه، فاعتزل الأوثان والميتة والدم والذبائح التي تذبح على الأوثان، ونهى عن قتل الموءودة وقال: أعبد رب إبراهيم، وبادى قومه بعيب ما هم عليه. وقال ابن إسحاق أيضاً: وحدثني هشام بن عروة عن أبيه عن أمه أسماء بنت أبي بكر ا قال: لقد رأيت زيد بن عمرو بن نفيل شيخاً كبيراً مسنداً ظهره إلى الكعبة وهو يقول: يا معشر قريش، والذي نفس زيد بن عمرو بيده ما أصبح منكم أحد على دين إبراهيم غيري، ثم يقول: اللهم لو أني أعلم أي الوجوه أحب إليك عبدتك به، ولكني لا أعلمه ثم يسجد على راحته. وحُدثت أن ابنه سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل وعمر بن الخطاب، وهو ابن عمه قالا لرسول الله صلى الله عليه وسلم: أنستغفر لزيد بن عمرو؟ قال: نعم، فإنه يبعث أمة وحده.
أيها الناس: إن زيد بن عمرو بن نفيل قد فهم بعقله الراجح أن الأصنام لا تصلح للعبادة، ولعمقٍ عنده في التفكير، أدرك أن اليهودية والنصرانية – وهما ديانتان سماويتان – لا تصلحان للاتباع لِما رأى من صراع بين أتباعهما، وأن كلتا الديانتين لم تطبق ما تزعم أنه دين يضبط العلاقات داخل المجتمع تطبيقاً كاملاً، إضافة لما تميز به اليهود والنصارى في زمن زيد وقبله من مكر وغدر حتى وصل بهم الحال أن يقتلوا أنبياءهم، ولولا أن تدارك ربُّنا عيسى عليه السلام برحمته لطالته يد الغدر اليهودية، ولكن الله توفاه ورفعه إليه وطهره من الذين كفروا. فزيد بن عمرو بن نفيل لم يقتنع بأن رجالات الدين النصارى واليهود قادرون على قيادة شعوبهم قيادة صحيحة تحقق لهم العزة في الدنيا والراحة عند الموت وما بعده، ولم يكن مقتنعاً بأن حكام البلاد التي تعبد الأصنام يريدون خيراً بالناس، بل إنهم دعاة ضلالة منتفعون، كما روي أنا أبا سفيان - قبل إسلامه - قد قال لعمار بن ياسر: آلهة قريش عبادة وتجارة! فكيف يمكن أن يوثق بدعاة دين همهم الدنيا وحسب؟

أإن الشيء بالشيء يذكر، فكما أن زيداً قد شخّص مشكلة الناس في زمانه أنها فسادٌ في العقيدة والأحكام، ففارق دين قومه واعتزل الأصنام، ولم يدخل حتى في يهودية أو نصرانية، وحرم على نفسه الدم والذبائح التي تذبح على الأوثان، ونعى عليهم تفضيل الذكر على الأنثى وقتل الموءودة، فنهاهم عن ذلك، وأعلن أنه على دين إبراهيم عليه السلام، وصرح بأنه لم يكن يعلم أي الوجوه أحب إلى الله ليعبده عليه، فسجد على راحته، ما يؤكد لنا رجاحةَ عقلِه وصواب منهجه في زمن عز فيه الصواب، وغاضت من الأرض الحنيفية أو كادت، وكذلك أذن رسول الله صلى الله عليه وسلم لسعيد وعمر ا بالاستغفار لزيد. فكذلك هو حالنا اليوم، فنحن في زمن عز فيه القائلون بالحق، وغاض الحكم بما أنزل الله من الدنيا، وصحلت أصوات حملة الدعوة المخلصين منادية بتغيير الحكام والقادة، وأنهم أس الداء ومصدر البلاء لهذه الأمة، وأن رؤوسهم قد أينعت وحان قطافها، لتبايع الأمة بعد خلعهم خليفةً يحكم الناس بشرع الله، فإن لم يحصل ذلك، فإن أحوال المسلمين ستبقى تسير من سيء إلى أسوأ، ومن هزيمة إلى أخرى أشد وأعظم، ومن خسارة إلى خسارة هي أكبر من أختها. وفي غمرة ذلك، نفاجأ بالنائب البريطاني جورج غالوي، رئيس ما أُطلق عليه “قافلة شريان الحياة” إلى قطاع غزة، يُوجه نداءاً للشعوب العربية إلى تغيير اتجاهات قادتها أو تغيير القادة أنفسهم، وذلك في إطار إشارته إلى الفصام الظاهر بين هذه الشعوب وقادتها إزاء القضية الفلسطينية! حقاً لقد فهم غالوي ما عجز عن فهمه كثير من المسلمين، ولا ينبغي لنا أن نغمطه حقه من الإطراء على هذا الفهم المشرق، ولو كان كافراً.

فهو قد راقب الوضع في غزة على مدى اثنين وعشرين يوماً من الرصاص المصبوب، والحمم الحارقة تنهال فوق رؤوس الغزيين بلا هوادة ولا رحمة، فتحرق الصغير قبل الكبير، والمرأة قبل الرجل، وتدمر كل شيء أتت عليه، ولا شك أن جالوي قد رأى وسمع عن موقف حاكم مصر، وإغلاقه معبر رفح في وجه المساعدات والجرحى والمعوزين، وكذلك رأى وسمع عن موقف سلطة رام الله تجاه محافظتها الغزية، ولا شك أنه سمع عن مواقف باقي حكام المسلمين في الأردن وسوريا ولبنان وغيرها من بلاد المسلمين التي يفترض أن تكون أمة واحدة يسعى بذمتها أدناها. لقد هاله ما رأى وما سمع، وقرر أن يبحث عن السبب، فوجد أن الشعوب تتحرق شوقاً لمساعدة أهل غزة، ولكن حكامها يمنعون! ووجد أن الشعوب تتوق للجهاد في سبيل الله لتحرير غزة وباقي فلسطين، ولكن الحكام يضعون العراقيل كافة أمام مجرد التفكير في مثل هذا العمل منعاً لتحقيقه! ووجد أن الشعوب ترفض التطبيع، والحكام نحوه يهرولون، وأن الشعوب يريدون الوحدة، والحكام يرفضون، وأزيد على ما وجده غلوي بأن رب الشعوب يطلب منهم الحكم بما أنزل الله، والحكام يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت. فخرج غالوي عن صمته، وتعدى حدود صلاحياته، وتدخل فيما لا يعنيه، وعبر عن رأيه دون أن يطلبه أحد وقال: أيتها الشعوب العربية، غيروا حكامكم حتى يستقيم حالكم، وكأنه يقول لنا: أليس منكم رجل رشيد؟

والله إننا لسنا بحاجة لجورج غالوي ليبصرنا بأخص شؤوننا وأدق المسائل التي تعترض مسيرة حياتنا، ولسنا والله بحاجة إليه ولا إلى أمثاله ليحرضونا على حكامنا كي نغير اتجاهاتهم أو نغيرهم، فهذا فرض فرضه علينا ربنا عز وجل، وأدلة فرضيته من الكتاب والسنة والإجماع مستفيضة تزخر بها كتب الفقه المعتبرة. قال ابن حجر العسقلاني في هداية الرواة عن عبد الله بن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لما وقعت بنو إسرائيل في المعاصي نهتهم علماؤهم فلم ينتهوا، فجالسوهم في مجالسهم وواكلوهم وشاربوهم، فضرب الله قلوب بعضهم ببعض، ولعنهم على لسان داود وعيسى ابن مريم عليهما السلام، {ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون}، قال: فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان متكئاً، فقال: لا والذي نفسي بيده حتى تأطروهم أطراً، وفي رواية: كلا والله لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر، ولتأخذن على يدي الظالم، ولتأطرنه على الحق أطراً، أو لتقصرنه على الحق قصراً، أو ليضربن الله بقلوب بعضكم على بعض، ثم ليلعننكم كما لعنهم. فهذا تحريض واضح من رسول الله صلى الله عليه وسلم على الحكام لتغييرهم أو تغيير اتجاههم. شكراً يا غلوي، فلدينا في ديننا ما يغنينا عن قولك، ويؤسفنا أنك تفهم قضيتنا أكثر مما يفهمها بعضنا، بل أكثر مما يفهمها كثير منا.

أإن من المفارقات العجيبة في قضية قافلة غالوي التي تغير اسمها وأطلق عليها اسم “سعاد فيفا فلسطينا” أي (سعاد تحيا فلسطين)، في إشارة إلى الصحفية الليبية التي قتلت في حادث سير، أن هذه القافلة كانت السبب - ولأول مرة منذ 15 عاماً - في فتح مؤقت للحدود بين المغرب والجزائر، قبل أن تواصل القافلة مسيرتها باتجاه تونس! وهذا يضع الكثير من علامات الاستفهام على القافلة، ولماذا تفتح لها الحدود المغلقة؟ ولماذا يقوم ابن حاكم ليبيا بتزويدها بالشاحنات المحملة بالمساعدات؟ ولماذا تمنع المساعدات المصرية وتصادَر، وأما البريطانية فتمُر؟ ولماذا لم يجرؤ واحد من حكام دول الطوق أو غيرها، أن يصرخ في وجوه الغزاة القتلة والمتآمرين معهم مهدداً إياهم، أن أوقفوا هذه المهزلة، وإلا...؟ ولماذا انتظروا أميركا حتى تطلب وقفها؟ هذه الأسئلة وغيرها كثير، تجعل كلَّ من كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد يقول بأن الحكام هم السبب، ولا بد من تغييرهم، وتلك مسألة قد أصبحت واضحة كالشمس في رابعة النهار، لا تحتاج إلى غلوي ولا إلى غيره كي يفسرها ويبينها للمسلمين. ونقول لغلوي الذي انتخبه شعبه وكيلاً عنه، بأن بريطانيا هي التي أصدرت تصريح بلفور الذي ينص على إعطاء اليهود وطناً قومياً في فلسطين وليس دولة، فلماذا تعترف حكومته بتلك الدولة وتدعمها؟ ومن كان بيته من زجاج فلا يرجم الناس بالحجارة.

أ لقد سئمنا العبث بالعواطف والمشاعر، ومللنا الأعمال الدعائية الفارغة، فمصيبتنا أكبر من أن تحلها قافلة مساعدات قادمة من رأس الأفعى! وإن مشكلة غزة لن تحلها القوافل والمساعدات، ولن تثأر مليارات إعادة الإعمار لدماء الشهداء، ولن نجني الخير من حوارات الفصائل ولو نجحت، ولن ينقذ حلُّ الدولتين غزةَ أو الضفة، فذلك ظن الواهمين والمتآمرين. وكل ما نسمع ونرى من الحكام وأسيادهم سراب خادع، ومماطلة سياسية مميتة، حتى يُحكم الكفر سيطرته على كل مدينة وقرية وبيت وعقل وحقل ونهر وساقية في فلسطين وسائر بلاد المسلمين، ولن يحل مشاكل المسلمين إلا الخلافة، فاعملوا لها إنا عاملون.


[b][u]